يعود ظهور المذاهب الفقهية إلى عصور متقدمة فقد نبغ في العلم جماعة فالتف حولهم من طلبة العلم ليأخذوا من علمهم فتأثر هؤلاء التلاميذ بمنهج إمامهم في الإفتاء وطريقة إستنباط الأحكام الشرعية ثم أندثرت الكثير من المذاهب كمذهب الثوري والأوزاعي واشتهرت المذاهب الأربعة المشهورة وفي البداية لم يجمد التلاميذ على اقوال أئمتهم بل قد خالفوهم في مسائل عدة إلا ان منهج الإستنباط الذي ترعرعوا عليه بين أيدي أئمتهم ظلوا متأثرين به فهذا ابن عبد البرا ألف كتابا سماه إختلاف مالك وأصحابه وذكر مسائل خالف فيها تلاميذ الإمام مالك إمامهم
ثم خلف خلف من بعدهم في عهد التقليد والحواشي جمدوا جمودا تاما على
أقوال المذاهب فخالفوا أقوال أئمتهم ومنهجهم في طلب الإجتهاد لمن هو أهله
فالتمذهب الصحيح لا يعني الأخد بأقوال الامام كأن
كلامه وحي إنما هو موافقته في أصوله وقد تختلف معه في فروع عدة والحق واجب الإتباع إذا
بان بالدليل الصحيح وليس لعالم عذر في ترك النص تقليدا لإمامه فالقول الوسط في مسألة
التمذهب أن لا يُرمَى كلام الأئمة بأي حجة كانت فهم أعلم منا لكن قد يُرجَّح
بين أقوالهم حسب ما اقتضاه الدليل فالمطلوب الإستعانة بفهم هؤلاء الفحول لفهم
المسائل و معرفة طريق الحق.
فقد يترجح
قول عند الامام مالك كمذهبه في المياه و قد يترجح قول عند الامام الشافعي و قد
يترجح قول عند الامام احمد و قد يترجح قول عند الامام أبو حنيفة النعمان وكل يؤخد
من قوله و يرد إلا قول النبي فيأخذ من كلامه ولا يترك
لكن لا يعني ذلك نبذ المذاهب وإنكارها فلن نصل لقوة فهمهم للمسائل ولا يعني ذلك ايضا اتباع
قول امام كأنه وحي إنما المسألة بين ذلك وذلك وهكذا الفقه فالمذموم هو التقليد
الاعمى فمن لا يخرج عن مذهب إمامه فهذا مقلد أكيد.
وليس معنى ذم التقليد أن تترك تقليد من سلف من الإئمة وتقلد مذهب عالم من علماء اليوم فليس قول مجتهد واحد بلازم على كل الامة من دون غيره ولا يلغي الخلاف في المسألة
الفقهية قول احد المجتهدين انها ليست خلافية أو قوله الراجح في المسألة كذا فما
يرجحه هذا يضعفه الآخر وحمل الناس على مقولة مجتهد واحد من التعصب المذهبي الذي
نبذه السلف و الخلف سواء نسب نفسه هذا المجتهد لمذهب من المذاهب أم لم ينسب.
فما هي الفائدة من الخروج من تقليد الائمة الاربعة لتقليد غيرهم ولو كان
الامر باتبع الأفقه فلا افقه من أولئك الفقهاء الذين ضربت إليه أكباد الإبل في عصر العلم والفقه.
اذن فكلا الطرفين قد بالغ فمن تمذهب و تعصب لمذهبه عوتب في ذالك ومن نبذ جميع المذاهب
وسفه كلام أئمتها ثم بعد ذالك تجده يقلد فلانا من المعاصرين ويدعوا لرأية بدعوى اتباع الكتاب والسنة أو القول الراجح عوتب في ذالك