بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الروايات عن الإمام مالك
رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه والقيام من الركعة الثانية من مسائل الخلاف التي اختلف فيها العلماء سلفا وخلفا وفي مذهب الإمام مالك روايتان عنه فرُوِيَّ عنه الرفع وروي عنه أيضا عدم الرفع فالرفع ظاهر مذهبه في الموطأ وعدم الرفع مذهب المدونة وهو رواية ابن القاسم فيها لذالك شهَّر علماء المذهب هذه الرواية فالقاعدة عند المالكية تقديم رواية ابن القاسم في المدونة على قول مالك في الموطأ
وقد روى ابن وهب واشهب
وغيرهما كما ذكر ابن عبد البر عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِلَى أَنْ مَاتَ
مأخذ كل قول من الإستدلال
ومن أخذ بعدم الرفع
استدل بحديثي الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ لَا يَرْفَعُ بَعْدُ وفي بعض الروايات ثم
لا يعود قال ابن عبد البر (( وَهَذَانِ حَدِيثَانِ مَعْلُولَانِ عِنْدَ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ )) والعلة في زيادة ثم لا يرفع وفي زيادة ثم
لا يعود فلا يحتج بهما ففي هذا الحديث إشكال من حيث الثبوت وعلى فرض ثبوته فالحديث
دليل على جواز ترك الرفع لا على عدم مشروعيته فالمشروعية ثبتت بنصوص اخرى
واستدلوا
ايضا بفعل بعض الصحابة انه صلى ولم يرفع قال ابن عبد البر (( وَلَمْ يُرْوَ
عَنِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ تَرْكُ الرَّفْعِ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ
مِمَّنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِيهِ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ
وَحْدَهُ )) فكل من رُوي عنه عدم الرفع فقد روي عنه الرفع الا ابن مسعود ولا
شك أن الصحابي إذا خالفه غيره فلا حجة فيما ذهب إليه إتفاقا كيف وقد وردت نصوص
تخالف ما ذهب إليه بعض الصحابة
ومن
اخذ بسنية الرفع فعمدته حديث ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ
الصَّلَاةَ ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ
الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ
رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ
ولا
شك أن هذا المذهب أعني مذهب الرفع هو أرجح المذاهب فمن حيث القوة حديث ابن عمر
أقوى فيقدم حديث عمر وحديث عمر مُثبت للرفع وحديث ابن مسعود ناف له والمثبت مقدَّم
على النافي فهذا إن أخذنا بمذهب الترجيح وان اخذنا بمذهب الجمع فحديث عمر يدل على
الاستحباب وحديث ابن مسعود يدل على جواز الترك فقط فلا يقوى في إثبات عدم المشروعية
اخيرا
: من صلى ورفع لا يُعنَّف ولا ينكر عليه بل قد وافق السنة وكذالك من صلى ولم يرفع
لا يُعنف إنما ينبه برفق أن الصحيح الرفع وهو رواية عن الإمام مالك واختاره
مالكية بغداد
وقد
كان علماء المالكية بعضهم يرفع وبعضهم لا يرفع قال ابن عبد البر (( قَالَ أَحْمَدُ
بْنُ خَالِدٍ وَكَانَ عِنْدَنَا جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا يَرْفَعُونَ
أَيْدِيَهُمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى
ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٌ لَا يَرْفَعُونَ إِلَّا فِي الْإِحْرَامِ عَلَى
رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَمَا عَابَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَا
هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ ))
المرجع
كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والاسانيد باختصار