بسم الله الرحمن الرحيم
شاء الله عز وجل أن يرسل في كل عصر من العصور رائدا من رواد النهضة ورجلا من
رجال الإصلاح ومن اولئك كما نظن الشيخ ابن باديس مما تميز به الشيخ معرفته
التامة بالواقع الذي يعيشه وإدراكه التام بالموضع الذي يضع قدمه فيه وإبصاره مواقع
الخلل في مجتمعه فلما قرر تأسيس جمعية العلماء المسلمين مع ثلة من رفاقه لم يردها
سياسية بل أرادها توعوية تربوية تعليمية وإبعاد الجمعية عن السياسة هو سياسة في حد
ذاتها فإبعاد الجمعية عن القضايا السياسية جعل لها عمرا طويلا بين المجتمع
الجزائري فلم تجد السلطات الفرنسية حجة مقنعة لأغلاقها وقانون فرنسا يبيح الجمعيات
مع أنها ضيقت عليها كثيرا ولكن ابن باديس كان يتعامل مع السلطات الفرنسية باسم
قوانينها
ومن جهة مقابلة كان هدف الجمعية من نشاطاتها ليس تخريج جيل يفقه احكام الصلاة
والوضوء أو يفرقون بين الحلال والحرام فحسب بل زيادة على ذالك تخريج جيل مثقف واع
بدوره في الحياة وبرسالته بين الأمم
قال الشيخ ابن باديس عن هذا الجيل الذي
رباه واصف إياه حين إقباله على صناديق الإنتخاب (( أما اليوم فقد أصبحت الأمة ولا يستطيع أحد أن يتقدم للنيابة عنها إلا إذا
أقنعها بالمحافظة على شخصيتها والدفاع عن دينها ولغتها))
فمن مقاصد جمعية العلماء تكوين جيل ذو وعي سياسي يختار من من يمثله ويرأسه
أحسنهم لا كما يظن بعضهم أن الجمعية أرادت فردا متدينا خال من الخرفات وشركيات
القبور فحسب بل إضافة إلى ذالك تريده غير مغفل مدرك لما ينفعه فلا عجب أن تكون
نظرته للتعليم نظرة تتسم بالشمولية فاسمع إليه حين يقول وهو يرد على أحدهم اتهامه
لجمعية العلماء بدخولها فيما ليس من شأنها (( كأن الملقنين لهذا الغراب
يفهمون من التعليم أنه هو أن يجلس الشيخ في وسط حلقة ثم يلقي عليهم مسائل من النحو
ومسائل من كتاب الصلاة)) فهذا لا يرعب أعداء الدين فالإسلام الذي يتحدث
عن الوضوء والصلاة لا يرعب أعداء الأمة وأما ما يزعج أعداء الأمة هو التعليم الذي
يصنع الأمجاد ويعلم المسلم أنه عزيز بدينه ولغته ووطنه وهويته
وهكذا هو التعليم عند الشيخ ابن باديس فليس التعليم عنده مجرد مواعظ تلقى على
أسماع الناس بل التعليم عنده رفع لمستواهم الفكري والثقافي والنفسي ليكونوا في
طليعة الأمم لمواجهة مشاق الحياة ومكابدة الأحمال والأثقال فيكونوا مواطنين صالحين
حمالين للخير ولم يكن التعليم عند الشيخ مجرد متون تدرس في احكام الدين من صلاة
وغيرها بل هو أشمل من ذالك وأعمق فالتعليم عنده تغيير في العقليات والنفسيات
والسلوكيات فكانت ثمرة هذا النوع من التعليم رجال يحسنون اختيار من ينوبهم دون وحي
من الجمعية فاختاروا الرجال الأحرار على الخونة عملاء الفرنسيين فازدات نقمة فرنسا
على الشيخ وجمعيته ورجالها فضيقت عليه خوفا مما صنعه تعليم الجمعية
فتأمل رحمك الله فقه الرجل وذكاؤه وبعد نظره فإنه لم يعلن أبدا ان
لحركته اهدافا سياسية او تحررية بل جعل ظاهرها التربية والتعليم فحسب وباطنها تححرير
الإنسان من قيد النفس والإستعمار فكان رجال الجمعية من اوائل من ساند الأحرار
السياسيين او المقاتلين في الجبال وكم دفعت الجمعية من أبناء فداء لهذا الوطن
العزيز فرحم الله الشيخ ابن باديس