بسم الله الرحمن الرحيم
اشتهر في بلاد المغرب منذ القديم هذا النوع من القراءة
وهي اجتماع مجموعة من الأشخاص في حلقة لقراءة القرآن جماعة بصوت واحد
وتعرف لدى الفقهاء '' قراءة الإدارة '' فأردنا جمع أقوال
العلماء في المسألة وبعض من أدلتهم ليتبين للناظر حكم المسألة
أولا : مذاهب العلماء
للعلماء قولان الأول عدم الكراهة واستحبها بعض فقهاء المذاهب الفقهية فقد قال النووي الشافعي في كتابه آداب حملة القرآن بالإستحباب وجعل دليل الإستحباب فعل الساف الظاهر كما يقول وقال البهوتي الحنبلي في شرح منتهى الإرادات (( ولا تكره قراءة جماعة بصوت واحد ))
والقول الثاني : الكراهة وهو المشهور
عند المالكية وقول طائفة من فقهاء المذاهب كما نقل ذالك عنهم ابن تيمية حيثا قال ((وقراءة الإدارة
حسنة عند أكثر العلماء ومن قراءة الإدارة قراءتهم مجتمعين بصوت واحد، وللمالكية
قولان في كراهتها ))
ثانيا : تحرير مذهب المالكية
المروي عن الإمام مالك كما في العتبية المنع من هذا النوع من القراءة فقد قال في العتبية في جزء الإجتماع لقراءة القرآن ((لا يعجبني هذا ولا أحبه ولكن يقرأ عليهم رجل منهم ويقرؤون عليه واحدا واحدا ))
وذكر ابن رشد تلخيصا لكلام الإمام مالك في هذا
الجزء وجعله صورا نذكر منها
الصورة الأولى : قراءة الواحد والجماعة
تستمع قال ابن رشد (( وهذا هو
المختار المستحسن الذي لا اختلاف فيه ))
الصورة الثانية : قراءة الجماعة على
مقرئ واحد يعلمهم القراءة فقد اختلفت الرواية عن مالك فمرة كره هذه الصورة ومرة
خفف وجعل ابن رشد في البيان والتحصيل وجه الكراهة أن الجماعة إذا قرأت على الواحد فإنه يفوته سماع بعضهم وقد قرأ خطأ فيظن أن مذهب معلمه إجازة تلك القراءة ويحسبها مذهبا له ثم وجه قوله الثاني الذي لم يكره فيه هذا النوع من القراءة فقال وجه ذالك التخفيف الداخل على المقرئ إذا كثر عليه القراءة وبذالك لخص الإمام ابن رشد قول مالك في
هذه الصورة فجعل حكمها مربوط بالمشقة فإن لم تكن هناك مشقة تلحق بالمقرئ
فالكراهة باقية وإن كانت ثمت مشقة فلا كراهة تخفيفا فالجواز مقيد بقيدين الأول أن
يكون الفعل لأجل التعليم والثاني أن تلحق مشقة بالمعلم
الصورة الثالثة : قال ابن رشد (( وأما اجتماع الجماعة في القراءة في سورة واحدة أو
في سور مختلفة دون أن يقرؤوا على أحدهم فهو من البدع المكروهة لم يختلف قول مالك
في ذلك ))
فهذا مذهب الإمام مالك في المسألة فأما
قول علماء المالكية فبعضهم أخذ بقول مالك في الكراهة كابو اسحاق الشاطبي والطرطوشي
وشهر هذا القول خليل في مختصره وبه أخذ بعض شراحه ونصر هذا القول ابن الحاج في
المدخل ورد على النووي في زعمه أن بعض السلف فعل هذا الفعل
ومن المالكية من لم يأخذ بقول مالك
وأفتى بالجواز كالباجي في المنتقى وأول قول مالك وابو سعيد ابن لب والمازري
تنبيه : القائلون بالكراهة قالوا محلها
إذا لم تخرج القراءة عن شروطها الشرعية اما إذا خرجت فتحرم
أدلة من أجاز القراءة الجماعية
إعتمد من اجاز القراءة الجماعية على الحديث الذي أخرجه مسلم وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( قال ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله )) وعمدتهم الثانية فعل السلف قال النووي في آداب حملة القرآن (( وروى ابن أبي داود أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يدرس القرآن معه نفر يقرؤون جميعا وروى ابن أبي داود فعل الدراسة مجتمعين عن جماعات من أفاضل السلف والخلف وقضاة المتقدمين ))
وأما من منع فاعتمد على قوله تعالى (( فإذا
قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)) وعمدتهم الثانية عدم فعل
السلف لهذا النوع من القراءة قال مالك (( لم
يكن هذا من عمل الناس ))
الخلاصة :
النصوص التي اعتمد عليها المانعون والمجيزون محتملة
فحديث (( ما اجتمع قوم ... )) يحتمل الكيفيتين أعني قراءة الجماعة بصوت
واحد أو قراءة أحدهم والباقي يستمع أما آية (( فإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وانصتوا )) فقد يقال
أمر المستمع بالإنصات والقراءة الجماعية يختل معها الإنصات وقد يقال الأمر
بالإنصات للمستمع لا القارئ والجماعة هنا قارئة فغير مأمورة بالإنصات والدليل إذا
احتمل وجهين وفعل السلف بكليهما دل على جواز الوجهين أما إن ترك السلف أحد الأوجه
مع توافر الداعي لفعله وعدم وجود مانع من الفعل فلا شك أن ترك ذالك الوجه أفضل لذا
فإن النظر في المسألة يرجع هل صح فعل السلف لهذه الهيئة أعني هيئة الإجتماع
والقراءة بصوت واحد أم لم يصح فالنووي يثبت ذالك وممن نقل عنهم أبوالدرداء وقد عقب
على هذا ابن الحاج المالكي في المدخل فجل قول مالك أثبت فيما نقله عن السلف من عدم فعله ولو أنه فعل فيهم لعلمه مالك وأبو الدرداء من كبار الصحابة فكيف لا يعلم مالك عنه مثل هذا فقال (( فَلَمَّا أَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي كَرَاهِيَتِهِ دَلَّ
ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ فِيهِ إلَّا التَّرْكَ بِالْكُلِّيَّةِ
وَالْإِنْكَارَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ))
ثم رد استدلال النووي بوجهين
الأول : أن ما نقل عن ابي الدرداء لايدل دلالة قاطعة على أنه كان يقرأ معهم بصوت
واحد على وجه يطلبون فيه الثواب بل فعله هذا محتمل لهذه الصورة ولغيرها من الصور والأولى حمل فعلها هذا على أن قراءته
لهم إنما كانت تعليما لهم ودليل هذا الحمل هو نقل الإمام مالك عن السلف قاطبة ان
قراءة الإدارة لم تكن معروفة عندهم ومالك رحمه الله موثوق في النقل